بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين

السيرة النبوية الشريفة -5
زواج النبي صلى الله عليه وسلم بخديجة وحديث بُنيان الكعبة

كان كفار قريش يعبدون الأصنام ويُشركون بالله جل وعلا وكانت لهم أعياد يستغلونها في تقريب القرابين وذبح الذبائح لأصنامهم والطواف حولها ، إلا أن هناك بعض النفر والناس من قريش ماكانوا يعبدون إلا الله جل وعلا ، وهذا أمرغريب ، فالنبي لم يُبعث والدين ضاع ومع هذا بعض النفر من أهل مكة دَلَّتْهُمْ فِطْرَتهُم على توحيد الله جل وعلا ، في عيد من الاعياد لتقريب القرابين وذبح الاضاحي للأصنام، إجتمع أربعة نفر من أهل مكة لم يكونوا يعبدون إلا الله جل وعلا ، إعتزلوا الناس وابتعدوا عنهم وذموا دين المشركين وعِبادتهم
" زيد بن عمرو إبن نفيل " عثمان بن الحُوَيْرِثْ " ورقة بن نوفل " عُبيد الله بن جحش" أربعة كانوا يوحِّدون الله ولا يعبدون إلا الله جل وعلا ، إجتمعوا فقال بعضهم لبعض ، تعلمون أن هذا الدين الذي عليه أهل قريش ليس بدين إبراهيم ، لقد أخطأوا دين إبراهيم وأن المعبود بحق هو الله وحده ، هكذا كانوا يتكلمون وقال بعضهم لبعض ، ما هذه الاحجار التي نطوف حولها لا تسمع ولا تُبصر ولا تنفع ولا تضر كيف نعبدها من دون الله جل وعلا ، ثم تفرق الأربعة كل منهم يبحث عن دين الله الحق أما " ورقة إبن نوفل " فقد بحث فوجد النَّصرانية ، فتعلمها وجدها خيرا من عبادة الاصنام وعبادة الاوثان وعبادة " اللات " و " العُزى " و " هُبَلْ " فإذا به يتمسك بهذا الدين حتى بُعِث محمد صلى الله عليه وآله وسلم ،
وكان كبيرا بالسن حتى صار أعمى واتبع نبينا ودخل في الاسلام أما " زيد بن عمرو إبن نفيل " فإنه أخذ يُظِهر عداوته للأصنام وكفره بهذا الدين الذي هو عبادة الاوثان ، حتى قالت أسماء بنت أبي بكر ، كنت صغيرة فرأيت زيد بن عمروا إبن نفيل متوسدا الكعبة وهو يقول لكفار قريش ، يامعشر قريش كفرت باللات وكفرت بالعُزى وآمنت بالله وحده ، تقول أسماء فرأيته يضع راحته على جبهته وهو يقول ، يارب والله لا أعلم كيف أعبدك وكيف أتقرب إليك ، ولو كنت أعلم لعمِلت ولكنني أعبدك بقلبي ، وهكذا كان يتعبد ربه جل وعلا ، حتى الذبائح التي كانت تذبحها قريش للأصنام ماكان يمسها وكان يقول لا أكل إلا ما ذُكِر إسم الله عليه
، وإذا رأى رجلا يريد أن يئِد إبنته تدخل واعترض وحاول أن يمنعه ، حتى لو دفع له أموالا يشتري منه إبنته " زيد بن عمرو " ما قرأ قرأنا ولا رأى رسولا ولا بُعِث إليه ، ولكن قلبه دَلَّهُ على خالقه جل وعلا ، هؤلاء الأربعة ظلوا على التوحيد ، زيد بن عمرو عُذب وضرب وَأُوذِي لأنه كان يعبد الله ويكفر بالأصنام ، فخرج من مكة ذهب إلى الشام وإلى العراق يبحث عن دين الله جل وعلا ، حتى رأى راهبا دَلَّهُ على أمر مُهِم ، قال له من أين أنت قال أنا من مكة من بيت إبراهيم ، فقال له الراهب إرجع إلى بلدك الآن ، قال ولِمَ ، قال هذا زمان يخرج فيه نبي ، وسوف يخرج من بلدك ، في الطريق وهو عائد مُسِك زيد بن عمرو وقُتِل ،
لكنه قبل أن يقتل قال ، اللهم إن كنت أنا حُرِمْتُ من هذا الدين فلا تحرم منه إبني سعيدا ، وكا عنده إبن إسمه سعيد ، سعيد إبن زيد هذا أسلم وحَسُنَ إسلامه وصار من العشرة المُبشرين بالجنة " زيد إبن عمرو ما أدرك الإسلام مات قبل الإسلام ، جاء عمر لأنه أحد أقربائه ، وسعد إبنه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ، يارسول الله زيد إبن عمرو إبن نفيل مات قبل الإسلام أنستغفر له قال ، إستغفروا له فإنه يُبعث يوم القيامة أمة لوحده ، هكذا مع الشرك الذي إنتشر في مكة إلا أن هناك بضعة نفر بقوا على التوحيد وَدَلَّتهُم فطرتهم على الايمان بالله جل وعلا وحده .

زواج النبي صلى الله عليه وسلم بخديجة

وكان في مكة إمرأة نسيبة شريفة فاضلة إسمها " خديجة بنت خُوَيْلِد " وكانت هذه المرأة ذات نسب شريف وذات مال كثير ، وكانت تُرسِل أموالها على أيدي التجار إلى البلاد للبيع والشراء كانت تاجرة ، وفي تلك الفترة سألت غلاما لها إسمه " مَيْسَرَة " من تعرف للذهاب بالمال للبيع والشراء ، فإذا بميسرة يُخبِرها عن رجل إسمه محمد إبن عبد الله يُسَمَى في مكة وخديجة تسمع به ، يُسمى الصادق الامين ، أشار عليها بمحمد ، فأرسلت ميسرة إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم يستشيره في الذهاب بمال خديجة للبيع والشراء في الشام ، فرضي النبي بهذا وقبل بعرضها على أن تكون له نسبة في البيع والشراء ،
فهو حاله كحال غيره ، وكانت قريش تعمل بالتجارة ومعروفة في القبائل أنها ذات تجارة ، أخذ الصادق الامين محمد إبن عبد الله عليه الصلاة والسلام أموال خديجة ومعه ميسرة وصار جهة الشام ، في الطريق كان ميسرة يستغرب منه ، تظهر علامة على رسول الله ، إلى الان لم يُعرف لم يُبعث لكن هناك علامة غربية ، ميسرة يراقبه مالذي يحصل ما الذي يجري ، كان في الطريق إذا إشتد الحر الغمام يتبعه فإذا توقف توقف الغمام معه ، في بعض الروايات ميسرة كان يقول ، ليس ذاك بغمام إنما هي ملائكة تظلله بأجنحتها ، من هذا الرجل الذي تتبعه الملائكة تظلله من الشمس الحارة ، ب
ل وصل إلى قرب الشام في مكان وكانت هناك شجرة فنزل النبي تحتها يستضل بضلها ، وكان عند الشجرة دير مكان للعبادة فيه راهب ، خرج الراهب من الدير ، فأخذ ينظر إلى هذه العير التي وصلت وإلى هذه القافلة التي وصلت فلاحظ أمرا غريبا ، لاحظ هذا الراهب أن هذه الشجرة نزل تحتها رجل فأخذ الراهب يرقبه ويلاحظه ويدقق النظر فيه وينظر إلى هذه العير وإلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، لما تأكد جاء إلى ميسرة ، وعلم أن ميسرة صاحب لهذا المال غلام لسيدة هذا المال ، فسأل ميسرة قال من هذا الرجل ، قال إنه محمد إبن عبد الله إبن عبد المطلب قريشي هاشمي من أهل الحرم ،
فقال الراهب لميسرة ، قال ماشأن هذا الرجل ، قال لاشيء جاء يبيع بالتجارة ويشتري ، فقال الراهب والله مانزل تحت هذه الشجرة إلا نبي من الانبياء ، كأن الراهب بدأ الان يُبشر ويستبشر بأن هذا سيكون نبي من الانبياء ، هذا مكان ماينزل فيه إلى الانبياء تقدير من الله جل وعلا ، والراهب عنده علم من الكتاب ، ميسرة بعد أن انتهت التجارة وربح النبي ربحا كبيرا ليس كالعادة ، رجع بالتجارة والقافلة إلى خديجة وأعطاها أموالها ، فجاء ميسرة يُخبر خديجة بالذي رأى وبالذي سمع ، قال والله رأيته يمشي والغمام أو الملائكة تظلله تقف إذا وقف وتمشي إذا مشى وأخبرها بخبر الراهب ،
هنا وقع شيء في قلب خديجة من إعظام محمد وإعطائه منزلته ، لما سمعت خديجة رضي الله عنها بأخلاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصِفاته تلك الاخلاق التي إنتشرت بين الناس فهو الصادق الامين وأخبرها ميسرة بما رأى ، أحبت خديجة أن تتزوج من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، إلى الان مابُعِث لكنها سيدة النساء هي أشرف إمرأة في مكة هي أعظمهن خلقا ، بل هي سيدة نساء العالمين إنها خديجة ، أرسلت إلى رسول الله أنني لقرابة منك فهي تجتمع برسول الله بأحد اجدادها ، ولعلمي بأخلاقك وثقتك بين قومك ، فإنني أرغب بالزواج منك ، مباشرة ذهب النبي صلى الله عليه وسلم
إلى أعمامه يستشيرهم إلى حمزة إلى أبي طالب إلى غيرهم من أعمامه جلس معهم فرحبوا بالفكرة ، فمن من الناس يرغب عن خديجة ، بل كان سادة قريش وأشراف قريش يتمنون الزواج منها ، هي الان تعرض نفسها على رسول الله فرحب أعمامه وذهب معه عمه حمزة إبن عبد المطلب وكان شريفا في قومه سيدا من سادتهم ، ذهب إلى والد خديجة " خُوَّيْلِدْ إبن أسد " وجلس عنده يخطب خديجة لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم فوافق ، والدها مباشرة ، من يرد محمدا سيد الناس بل سيد الخلق أجمعين ، فإذا بالخطوبة تتم وإذا بالزواج يتفق الطرفان على مهر قدره عشرين بكرة من الابل
فيصدقها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعشرين بكرة من الابل ، وصارت وليمة وزفافا ما أحلاه من زفاف وزواج ما أعظمه من زواج ، يتزوج فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم سيد الخلق من سيدة نساء العالمين فعاش معها أحلى حياة وأجمل حياة ، بل ما تزوج عليها حتى ماتت وكان يحبها حبا عظيما ، ولدت له كل أولاده إلا إبراهيم ، فقد جاء للنبي من مارية القبطية ، أنجبت له "القاسم "وكان يُكنى بأبي القاسم بأبيه وأمه عليه الصلاة والسلام " أنجبت له بعد القاسم " الطيب "ا لطاهر " ثلاثة من الذكور ومن الاناث رقية "و"زينب "وأم كلثوم "وفاطمة " فسبعة أولاد أنجبت له خديجة أم أولاده ، أما أولاده الذكور حتى إبراهيم من مارية ، كلهم ماتوا صغار قبل البعثة ، أما البنات فقد بقين حتى البعثة وأسلمن وهاجرن معه ومتن جميعا قبله ، إلا فاطمة الزهراء سيدة النساء ، بقيت بعد وفاته بشهور ثم توفيت أ، ولاده من خديجة حياته أجمل حياة
أكرمها وأحسن إليها ، وأكرمته وأحسنت إليه ، كان يعيش معها أسعد لحظات عمره ، بسبب أنها أحب الناس إليه ، خديجة التي ضحت بنفسها ومالها من أجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، في أثناء حياتها مع رسول الله تعجبت خديجة ، فهذا الانسان له أمور غريبة فبالاضافة إلى ماذكر ميسرة من رحلته وما ذكره الراهب في رحلته ، بل إن خديجة رأت من رسول الله خلقا عظيما لاكخلق الناس ، وأمور غريبة لاتحصل لاحد الناس ، فذهبت مباشرة إلى إبن عم لها " ورقة إبن نوفل " الذي بقي على التوحيد وتعلم علم الكتاب فقصت عليه القصص وأخبرته بالخبر ، فقال ورقة قال ، يا خديجة والله إنني أظن أن محمدا سيكون نبي هذه الامة ، إنني أعلم أن هذا هو زمان يخرج فيه نبي وهذا زمانه وإني لاظنه محمدا ، فَسُرَتْ خديجة بهذا واستبشرت بهذا الخبر.


حديث بُنيان الكعبة

لما بلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخامسة والثلاثين من العمر ، لم تكن الكعبة كحالنا في هذه الأيام ، كانت أقصر من هذا بكثير بل لم تكن أصلا مسقوفة ، هذه الكعبة كان فيها بئر فيه كنز ثمين ، لا يقترب منه أحد من الناس ، ولأن الكعبة غير مسقوفة ولأن إرتفاعها كان قصيرا ، حصل في ذلك الزمان وعمر نبينا خمس وثلاثين سنة ، أن أتى نفر على حين غفلة من أهل مكة وتسلقوا الجدار وسرقوا كنز الكعبة ، وأصبح الناس في الصباح أصابهم الهم والغم ، كيف يُسرق كنز الكعبة ونحن سدنتها ونحن حُمَاتُها ، كيف يحصل هذا ، فقرر أهل مكة أن يُعيدوا بناء الكعبة بناءا أحسن من هذا ،
حتى لايعتدي أحد عليها ، لكن كيف يصنعون هذا ، قدر الرب عز وجل في ذلك الزمان أن تغرق سفينة في البحر لتاجر من أهل الروم ، فتُلْقِي الشواطئ هذا الخشب إلى شاطئ البحر ، فإذا بهم يجمعون الخشب ويأتون به ، وماذا نصنع بهذا الخشب ، كان هناك رجل قِبْطْيٌ يعيش في مكة يعمل بالبناء ، ويعمل بالنجارة وكان يعمل في مهنته عملا يُجيده ، فاتفقوا معه أن يُعينهم على بناء الكعبة فوافق الرجل ، الخشب موجود والرجل البناء موجود ، لكنهم مع هذا هابوا ، فقد كان في الكعبة كل يوم تخرج منها حية يظن أهل مكة أنها تحرس الكعبة ، وكان كلما أراد أحد أن يقترب منها ، صَغَرَتْ فَاهَا وفتحت فاهَا ،
وكان أهل مكة يَهَابونَهَا فلم يستطيعوا أن يقتربوا من الكعبة وهذه الحية فيها ، فأرسل الرب عز وجل في ذلك الزمان طائرا ، فإذا به يأتي طائر غريب منظره غريب يأتي من السماء ، فإذا به يأخذ الحية ويذهب بها ، فعلمت قريش وعلم أهل مكة أن الرب عز وجل يُسهل لهم الامر لاعادة بناء الكعبة ، لكنهم إتفقوا على أمر ، فجاء سيد من ساداتهم وقال يامعشر قريش ، تعلمون أن هذا بيت الله الذي بناه إبراهيم هذا بيت الله ، فإذا أردتم بنائه فلا تُدْخِلُوا في بنائه إلا كَسْباً طيبا ، لا تدخلوا فيه مهر بغي ولا بيع ربآ ولا مظلمة لأحد ، فأخذوا يجمعون المال الطيب ، لكن المال الطيب لايكفي حتى لبناء الكعبة ، فقد كثر فيهم الحرام
وجاء اليوم المحدد لهدم الكعبة وإعادة بنائها ، من يجرأ على أن يهدم حجرا من هذه الكعبة ، فقام " الوليد إبن المُغِيرة " ورفع المِعول ودعا ربه والناس ينظرون ، الكل خائف من يعتدي على الكعبة من يجرأ على هذا ، فقال الوليد " اللَّهُمَ لَمْ تَرَعْ اللَّهُمَ إنَّكَ تَعْلَم أنَّنَا لَمْ نريد إلا الخير" ثم رفع المِعول وأخذ يضرب في الكعبة من جهة الرُّكنين ، وأخذ يضرب في الكعبة فهدم جزأ منها ، ولم يقترب أحد من الناس ، بل ينظرون فقط إلى الوليد ، ما الذي سيحصل له ، فإذا به لما أمسى المساء ذهب إلى بيته ولم يمس أحدا منهم الكعبة ، قالوا ننظر ما الذي يحصل له في اليوم الثاني ،
وفي اليوم الثاني فإذا بالوليد يخرج لم يُصب بشيء وذهب لإكمال هدم الكعبة ، فعلم الناس أن الله عز وجل أذِنَ لهم بِهَذا فأكملوا هدم الكعبة حتى وصلوا إلى أساسها ، وكان أساسها بعيدا ، فلما وصلوا إلى الأساس وجدوا حجارة خضراء " كالسِّنَام " ، مُتراصة بعضها ببعض ، فقام رجل يريد أن يُفَرِّجَ بين الحجرين فوضع المِعول، فلما حرك الاساس فإذا بمكة كلها تهتز فخاف الناس وتراجعوا وتركوا الأساس على حاله وأتموا بناء الكعبة ، كل قبيلة أخذت جزأ من الكعبة أتموا بناءها ، فقصرت بهم النفقة فلم يُكملوا البناء وتركوا جهة الحجر خاليا ، وهذا بنائها إلى اليوم ،
وكان في الكعبة بابين ، فإذا بهم يغلقون باباً ويفتحون باباً واحدا ، ورفعوا البناء قليلا حتى لا يدخله أحد من الناس ، وسقفوا الكعبة وأحكموا إغلاقها ، لما تم بناء البيت ولم يُبنى على قواعد إبراهيم عليه السلام فقد قصرت النفقة ، وأخرج الحطيم أو الحِجر من البيت وَبُنِيَ بِنَاءً آخر ، أخذت كل قبيلة نصيبها من بناء البيت ، لكن بقي أهم شيء في البيت الآن ، ألا وهو الحِجْر ، ذلك الركن ، الحجر الذي أنزله الله عز وجل وأمر بإنزاله من الجنة ، يُروى أنه كان أبيض ، لكن سودته خطايا بني آدم ، هذا الموضع المهم كل قبيلة تنافست أيهم يضع هذا الحجر ، فقالت كل قبيلة نحن أولى من غيرنا ، فاختلفوا فيما بينهم ،
كاد الامر أن يزداد والخلاف أن يشتد ، لولا أن كبيرهم " أبو أمية إبن المغيرة " وكان أسنهم في ذاك الوقت ، جلس بينهم وجمع أشراف القبائل فقال لهم ، إذا إختلفتم فلترضوا بأول داخل عليكم الآن ، أول رجل يدخل علينا الآن هو الذي يحكم فينا فانتظروا ، وبعد قليل دخل عليهم أفضل الناس وخير البشر من ، إنه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما دخل قال الناس والأشراف ، هذا الامين رضينا بِحُكْمِهِ هذا الامين ننزل عند حكمه ، الكل رضي به فقد كان يسمى الصادق الامين في مكة وما حولها ، فلما دخل النبي صلى الله عليه وآله سلم وعرضوا عليه الخلاف بين القبائل ،
أنظروا إلى حكمته ، قال إبسطوا لي ثوبا فبسطوا له ثوبا على الارض ، ثم وضع الحجر على الثوب ثم أمر كل قبيلة أن تأخذ بطرف لهذا الرداء ، فإذا بكل قبيلة تأخذ طرفا فحملوا الرداء وتوجهوا به إلى الركن ، فلما وصلوا إلى الركن رضيت القبائل كلها أن يرفع الحجر ويضعه في مكانه ، من خير الخلق الصادق الامين ، الذي رضيت الناس لحكمه ، فأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحجر فوضعه في مكانه فتم بناء بيت الله عز وجل ، ذلك البناء العظيم الذي قُدِّسَ على مَرِّ التاريخ ، الذي حُفِظ وجعله الله عز وجل آية من آيآته في الارض { إنَّ أوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ للِنَّاسِ } أول بيت وُضِع للناس لِعِبادة الله جل وعلا هي هذه الكعبة { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وَضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ }
هدايته ليست فقط لأمة واحدة بل للعالمين جميعا { مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ }هذا الحجر الاسود المبارك من مسه واستلمه كان حقا أن يكون له شاهدا عند الله يوم القيامة { فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } هكذا تم بناء بيت الله عز وجل الكعبة المشرفة ، في هذه الفترة كان علماء أهل الكتاب كانوا يتدارسون فيما بينهم ، أن هذا هو زمان خروج نبي من الأنبياء ، كان الكل مُتفق أن هذا هو زمانه ، بل كانوا يعرفون أوصافه ، وجاء في بعض النسخ إسمه بالتحديد ، " فالتوراة " على نُسَخِهَا واختلافها " والانجيل " على إختلاف نسخه ، فالكل كان يتفق أن هذا هو الزمان الذي وُعِدَتْ بِهِ البشرية بخروج نبي يُنقِذها من الظلام ،
ويُخْرِجُها من الظلام إلى النور ، بل كان بعض أهل الكتاب يتدارسوا فيما بينهم وبين إخوانهم من أهل الكتاب ، أن هذا النبي سيخرج من بلاد العرب ، حتى ذُكِرَ في بعض النسخ و بعض النصوص التي تدل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، كُتِبَ في بعض نسخ " التوراة " أقبل الرب من سيناء وأشرق في سعير وتجلى في جبل " فَرَانْ " سيناء" إشارة إلى موسى عليه السلام ، " وسعير " إشارة إلى عيسى عليه السلام " أما جبل " فَرَانْ " فهو جبل مكة ، وهذا كان موجودا في العهد القديم ومطبوع عندهم ، بل ذُكِر النبي بإسمه في بعض النسخ ، كنسخة ذكر فيها أن الارض سَتُملأ تحميدا لأحمد ، وأنه سيملك بيمينه رقاب الأمم ،
كل هذه الكلمات كانت تذكر في نسخ " التوراة " ونسخ " الأنجيل " وكان الأحبار والرهبان والقساوسة يتدارسون فيما بينهم خروج النبي وإقتراب زمنه ، بل إن" سلمان الفارسي" رضي الله عنه ، كان مجوسيا فصار من إهل الكتاب ، إنتقل من دين إلى دين ، وجلس مع العلماء والرهبان والأحبار والقساوسة فأخبروه ، أن هذا هو زمان خروج النبي ، فلما سألهم وكيف أعرفه قالوا ، سيخرج في أرض بين " حَرَّتَيْنِ " وَذاُتُ نخل ، وصفوا له المدينة حتى جبال " سَالِع " جبل عند المدينة ، فإن هذا الجبل مذكور بإسمه في نسخ التوراة القديمة ، فمطبوعاتهم ونسخهم ونقلهم ومؤثراتهم ،
كلها كانت تؤكد أن هذا هو زمان خروج النبي ، حتى اليهود في المدينة كانوا يتوعدون الأوس والخزرج بأن هذا هو زمان خروج نبي ، وسوف نتبعه ونقاتلكم معه ،كلها كانت تبشر { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ }
لا تنسونا من صالح دعائكم

المصدر

0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

 
أضف معلومة © 2014. جميع الحقوق محفوظة. نقل بدون تصريح ممنوع اتصل بنا
Top