الفساد من جذورِه:
ألا يبدو لك أنّ القرن العشرين قد شهد انحرافًا أخلاقيًّا عالميّا؟
لا أدّعي أبدًا أنّ التاريخ يخلو من فتراتِ السقوطِ والانحلال، وهي في الغالبِ الفترات التي سبقتْ ظهور رسولٍ جديدٍ لتصحيحِ مسارِ البشريّة.
ولكنّ ما يدعو للدهشة، هو أن ينحرف بشر غالبيّتهم يدينون بديانتينِ سماويّتين عظميين: المسيحيّةِ والإسلام!
ولا أعني بالانحرافِ أنّ شخصًا ما ارتكب خطأً ما في فترةٍ ما، فهذه فطرة بشريّة، وإنّما أعني أن تجد الأغلبيّة المتزايدة يوميًّا تخرج عن سننِ الحياة، فترى الخطأ صوابًا، والمنكر عرفًا، والفاحشة واجبًا!
يا سيّدي.. إنّنا اليوم نعيش عصرًا للشّواذِّ فيه حقوق ومطالب، والمرأة فيه رجل، والرجل امرأة!!
عامّةً، فإنّ هذه المجموعة من المقالاتِ تهدف إلى محاولةِ إيجادِ تفسيرٍ لصورِ الانحرافِ الحاليّةِ في الأخلاقِ والأفكارِ والعقائد، وذلك بتتبّعِ التغيّراتِ والمنعطفاتِ الهامّةِ في التاريخِ، بدءا من الثورةِ اللوثريةِ وحتى الآن.
ويجب ألا يعتبر أحد أنّ اختصاصي لمرحلةِ الثورةِ اللوثريةِ والإصلاحِ الكنسيِّ في الغربِ كنقطةِ انطلاقٍ، يعني أنّني أرى التاريخ من قبلِها مستقيمًا لا يشوبه الانحراف، وإنّما يعني ذلك أنّ هذه المرحلة وما أدّتْ إليه من تغييرات، هي من المفاتيحِ الرئيسيةِ لفهمِ واقعِنا المعاصرِ، وما ألمّ به من انحرافٍ وفساد.
كما يجب أن تلاحظ أنّ هذه المقالاتِ ـ على طولِ الكثيرِ منها ـ مختصرة جدًا، ولمن أراد الاستزادة فعليه بالمراجعِ المشارِ إليها في الحواشي.

الدافع للكتابة:
كان السبب في كتابةِ هذه المجموعةِ من المسودّاتِ هو مقال نشره (فاروق جويدة) منذ أكثر من ثلاثِ سنوات، يتحدّث فيه عن ظاهرةِ الأدبِ النسائيِّ الفاحش، حيث تفاجأ الأوساط الثقافيّة بظهورِ كاتبةٍ جديدةٍ تكتب كتاباتٍ ركيكةً ضعيفة المستوى، وفي ذاتِ الوقتِ إباحيّةً فاحشة، فتلاقي من التهليلِ النقديِّ ما يضعها في قمّةِ الإبداعِ والعبقريّة.. ليس هذا فحسب، بل تستضيفها السفارات الأجنبيّة وتكرّمها، وتنهال عليها الجوائز، وتترجم كتاباتها في الخارج!
كان هذا ما دفعني لكتابةِ مسودّاتِ هذه المقالاتِ، حيث ظلّتْ حبيسة الأدراجِ طوال هذه الفترة.
ولكنّ موضوعًا برز على الساحةِ فجأةً جعلني أقدم على إكمالِ هذه المقالاتِ ومحاولةِ إخراجِها للنور.. كان ذلك هو النقاش المعتوه الدائر حاليًّا عن تدريسِ ما يسمّى بالثقافةِ الجنسيّةِ في مدارسِنا!
لقد أذهلني الأمر كثيرًا، وملأني بالسخريةِ أكثر ممّا ملأني بالمرارة.. فطوال سنواتٍ وأنا أنتظر أن أسمع أنّ الحكومة قد أفاقتْ من غفوتِها الأبديّةِ فجأةً وقررّت تدريس العلمِ في المدارس.. تدريس الدينِ في المدارس.. تدريس السياسةِ في المدارس.. تدريس أيِّ شيءٍ ذي قيمة مهما كان نستطيع به تربية جيلٍ ينافس في الجات، ويجهز على التخلّفِ والجهلِ والسلبيّةِ التي تملأ مجتمعنا!
لهذا وجدت أنّه يجب الرد على هؤلاءِ المنقادين لأوامرِ الغربِ الذي لا يهدف سوى لتدميرِنا، وإبقائِنا في سلاسلِ التبعيّةِ والضياعِ إلى ما لا نهاية.
و لهذا أيضًا كان يجب تتبّع تاريخِ الغربِ نفسِه، لتقييمِ تجربتِه، بدلا من تلافي مميّزاتِه واتّباعِ عيوبِه، كما يفعل مثقفونا العباقرة!

منهج الكتاب:
يهتمّ هذا الكتاب بالأفكارِ التي غيّرتْ نظرة الإنسانِ إلى الأديانِ وإلى العالمِ وإلى نفسِه، في الفلسفةِ والعلمِ والأدبِ والفنّ.
والوسائلِ التي ساعدتْ هذه الأفكار على الانتشارِ، كالطباعةِ والصحافةِ والسينما والتليفزيون.
والفئاتِ التي تأثّرتْ بها أكثر من غيرِها، كالأطفالِ والنساء، وبالتالي الرجال، لأنّ رجال اليومِ هم أطفال الأمسِ الذين ربّتهم أمّهاتهم من النساء!!
والمستفيدين من انتشارِ هذه الأفكار، كاليهودِ وطغاةِ الحكّام.
والكتاب في تناولِه لهذه المواضيعِ ينتهج النهجينِ التاليين:
-   الاعتماد في أغلبِ الأحيانِ على آراءِ مفكّرين غربيّين، ينتقدون الحضارة الغربيّة.. وذلك لذرِّ الرمادِ في عيونِ كلِّ المسبّحين بحضارةِ الغربِ وتقدّمِ الغربِ وعبقريّةِ الغرب... إلخ.
-   الاعتماد على المنطقِ والاستدلالِ العلميِّ والإحصائيِّ في تفنيدِ الادعاءاتِ والافتراءاتِ الإعلاميّةِ الكبرى، أكثر من الاستدلالِ بالقرآنِ والسنّةِ ـ وكفى بهما ـ وذلك للأسبابِ التالية:
§   حتّى يكون الكتاب أكثر إقناعًا للعلمانيّين والملحدين وغيرِ المسلمين، خاصّةً أنّه يركّز على التحذيرِ من الأضرارِ الحياتيّةِ الفوريّةِ التي تصيب من يخالف تعاليم الدين، أكثر من تحذيرِه من العقابِ في الآخرة.
§        حتّى لا أتوه في مسائل فقهيّةٍ وأمورٍ لست خبيرًا بها.
§        حتّى لا أضع نفسي موضع الداعيّةِ الإسلاميِّ وهو شرف لا أدّعيه ولا أستحقّه!
وحّتى لا يلمّ القصور الدينيّ بالكتاب، أرفقت به بعض الخطبِ الدينيّةِ لمشاهيرِ الخطباءِ والدعاةِ، حتّى يرووا ظمأ المتعطّشين لمعرفةِ رأيِ دينِهم في المسائلِ التي نوقشتْ في هذا الكتاب.

في سبيل مشروعٍ أخصب:
أعرف أنّ الموضوع عميق، ويحتاج لجهودِ جموعٍ من المثقفين والمختصّين للإحاطةِ بجميعِ جوانبِه، وما هذه إلا محاولةً صغيرة، خطوةً في بدايةِ طريق، كلمةً في كتابٍ، أقولها في ضوءِ قراءاتي وتأملاتي المتواضعة، على أملِ أن يكملها معي كلّ من يشغله مصير هذه الأمّة.
إنّ هذه المقالاتِ كتبتْ بدافعِ التحفيزِ لمحاولةِ الإجابةِ عن السؤالِ الذي تحمله: كيف انحرف العالم؟
و هو سؤال يجب أن نطرحه سويًّا ونتعاون في محاولةِ الإجابةِ عليه، لذلك، فعلى كلِّ من يجد في نفسِه القدرة على الكتابة، ولديه تنقيح لما ورد بالمقالات، أو لديه إضافة لما لم يرِدْ بها، أن يكتب مقالاتِه الخاصّة، ويضيفها لهذه المجموعة.
أمّا السؤال الأهمّ: كيف يستقيم العالم؟، فهو سؤالنا جميعًا، وعامل مشترك في مستقبلنا جميعًا، وحبّذا لو طرح كل منا رؤيته في هذا السياق.



انتهاء



0 التعليقات Blogger 0 Facebook

إرسال تعليق

 
أضف معلومة © 2014. جميع الحقوق محفوظة. نقل بدون تصريح ممنوع اتصل بنا
Top